أخر الاخبار

الأندلس في ذاكرة التاريخ العربي والإسلامي.



قصر الحمراء في غرناطة

حقبة الدولة الإسلامية في الاندلس. وحاضرتها مدينة قرطبة، بقيادة عبد الرحمن بن معاوية بن هشام. "عبد الرحمن الداخل"، وقبله كلا من موسى بن نصير وطارق بن زياد، اللذان بقيادتهما تم فتح الاندلس. استمرت الحضارة الاندلسية 781 عام، ابتداء من عام 711 حتى 1492م. ممتدة على كل مساحة شبة الجزيرة الليبيرية في أوروبا حتى جنوب فرنسا.

زيارتنا الى ارض الاندلس بمثابة العودة الى اغوار الحضارة العربية والإسلامية في مجد ازدهارها قبل الف عام من الزمن. ذلك الزمن الذي شهد فتوحات إسلامية وبنيت فيه حضارة عظيمة اثارت اهتمام العالم، مما يحتم علينا نحن جيل القرن الواحد والعشرين ان نتذكرها ونفتخر بها ونستفيد من دروسها.

الاندلس فردوس الله على ارضه:
شهدت الحضارة الإسلامية في الاندلس نهوض حضاري وتطور وتنور علمي وتقدم للبشرية جمعاء، منيرة بذلك ظلمات القرون الوسطى التي خيم عليها التخلف والجهل والهيمنة الكهنوتية الكنائسية على الشعوب الأوربية.
هكذا أضأت الحضارة الإسلامية في الاندلس ظلمات العصور الوسطى واثبت صحة نهجها وتمكنها من تطوير المجتمعات ليلحقوا بركب الحضارة الإسلامية والعيش في حرية ومساوة وعزة وكرامة تحت شعار لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى.
لقد بناء المسلمون حضارتهم مثبتون صحة نهجهم في التعايش مع الأديان الأخرى من مسيحيين ويهود ووثنيين، ضف الى التماسك بين الطوائف المسلمة تحت راية الإسلام وكلمة التوحيد. خلالها كانت مدنهم اعظم المدن تشييدا، وحياتها السياسية والاجتماعية اكثر عدلا ومساوة، وجامعاتهم اكثر علوما وابتكارا. حتى ان ملوك الافرنج من بريطانيين والمان ورومان كانوا يتفننون في التودد لطلب رضاء الأمراء المسلمين، من أمثال عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر والحكم بن الوليد والملك اليمني الحاجب المنصور والأمير اليمني المعتمد محمد بن عباد.

انهيار الحضارة الإسلامية في الاندلس:

وبالقدر الذي وصفت فيه الاندلس في عصرها الذهبي بفردوس الله على ارضه، الا انه وللأسف الشديد انهارت هذه الحضارة وأصيبت بالانكسار وحلت بها الهزائم لأسباب ما كان لها ان تحدث لولا التفريط بوحدة الصفوف والأنانية المفرطة وحب الذات والتفرقة، مما أتاح الفرصة للقوات الافرنجية القادمة من مختلف المناطق الاوربية بان تنتصر على ملوك الطوائف المسلمين، الذين اصبح كل واحد منهم لقمة صائغة لقوات الافرنج بعد ان تفرقت ممالكهم واضعو هويتهم الإسلامية وتنازعوا فيما بينهم ولجوء كل منهم للاحتماء بالعدو الخارجي والاستعانة به على قتال اخوانه المسلمين. هذا الانحدار أدى الى تمزق الأمة الإسلامية وضعف سلطانها، وبالتالي ضياع كامل الأراضي الاندلسية من أيدينا نحن المسلمين، بعد ان أستمرت ثمانية قرون من الزمن توالت خلالها 24 جيل بشري. حيث كان اخر الملوك العرب هو أبو عبد اللاه الصغير ابن علي سعيد بن الأحمر، الذي اقدم على تسليم مفتاح مملكته غرناطة في 2 ديسمبر عام 1492م الى الملك الافرنجي فيرناندو وزوجته الملكة إيزابيلا، منهيا حضارة إسلامية على أرض أوروبية عمرها 800 عام، والذي لم تجد والدته عزاء له عندما خر باكيا بحرقة الا ان تقول له " ابكي كالنساء على ملك لم تستطع أن تحافظ عليه كالرجال".

الواقع يدعونا الى الاستفادة من دروس تاريخنا في الاندلس:

في مرثية طويلة للشاعر محمود غنيم على سقوط الاندلس، قال في أحد أبياتها:

إني تذكــــرت والذكـــــرى مؤرقــة .... مجداً تليداً بأيدينا أضعنـــــــــــــاه.

فعلا مرثية عبرت عن حزن وكمد الانسان العربي المسلم بعد ان ضاعت منه فردوس الاندلس. وهي قصيدة تعبر عن ما يجيش في صدر كل عربي من تندر وتحسر على حضارتنا ومجدنا وتاريخنا التليد الذي ضاع من بين أيدينا دون رقيب او حسيب. هذا ما يدفعنا الى الاستفادة من دروس وعبر تاريخنا في الاندلس، بهدف الاستفادة منه، وتجاوز الأخطاء والعمل بالإيجاب منه.

عمليات تجهيل لتاريخ الاندلس:

للأسف أننا اليوم نلمس عمليات تجهيل لذلك التاريخ التليد، بهدف طمس حقائقه من ذاكرة الأجيال العربية والإسلامية، لتتعاقب اجيالنا دون معرفة حقائقه ودون الإلمام بما قدمته الفتوحات الإسلامية للبشرية.
وها نحن اليوم كأمة عربية وإسلامية لم نستفد من التاريخ ودروسه، واصبحنا ممزقون كما كانوا ملوك الطوائف في الاندلس ممزقون، ومن ظرائف الصدف ان عدد ممالك الطوائف في الأندلس كانت 22 ولاية منفردة، وها هو نفس العدد يتكرر لأقطارنا العربية في القرن الواحد والعشرين. ففي ظل التمزق وقبيل الانهيار كانت ممالك الطوائف في الاندلس تدفع الجزية المالية للممالك الافرنجية، وها نحن اليوم ندفع الجزية للإفرنج مع اختلاف المسميات. نحن نعيش اليوم في ظل دول شكلية ان لم تكن وهمية، لا يجمعها شيء مشترك لا من قبيل التوحد ولا من قبيل المصالح ولا من قبيل الهوية. فكلا منطوي على ذاته، معتقدا بانه في مأمن من أطماع الأعداء، غير مدرك ان وضعه الهزيل هذا سيأدي به الى التهلكة والضياع ان لم يتوحد مع اخوته في اطار هوية القومية العربية.

دعوة للنهوض بالحضارة العربية والإسلامية:

في زمننا هذا وهو زمن الانكسار العربي ضاعت فلسطين من بين أيدينا كما اضعنا من قبلها الاندلس وشط العرب ولواء أسكندرون. وها نحن اليوم على مشارف تساقط الأقطار العربية واحد تلو الاخر، ابتداء بالعراق وسوريا ومرورا بليبيا واليمن والسودان وانتهاء بدول المغرب العربي ودول الخليج، لنصبح تحت إمرة اعدائنا. لذلك علينا ان نستفيد من دروس التاريخ الاندلسي ونعمل على توفير الظروف والمسببات للنهوض بواقعنا ولن يتحقق ذلك إلاّ بتحقيق وحدتنا القومية ذات الهوية العربية الواحدة، كشرط أساسي لنهوضنا ولنصبح قوة يحسب لها بين الأمم، نعيش بكرامتنا وعزتنا وامكانياتنا. وها هو الأمل يحدونا, مؤمنون بان " ما بعد الانكسار الا النهوض الذي لاريب فيه". والى زمن النهوض القادم، فان اجتهادنا وعزيمتنا المخلصة سوف يعجل من تحقيق ما نطمح اليه.

المستشار عبد الرحمن المسيبلي.



قصر الحمراء الشهير وحدائقه الغناء.