بسم الله الرحمن الرحيم
أسرة
آل المسيبلي هي إحدى الأسر اليمنية العريقة، المنحدرة تاريخياً من قبيلة كندة
اليمنية.. وهي بيت دين وفقه وصلاح، بهداية من المولى عز وجل تهيئوا مشايخها لنشر
الدعوة الإسلامية في مجتمعاتهم القبلية، وسخروا حياتهم للدعوة إلى الله وتعليم الناس
بأحكام دينه الحنيف وتنويرهم بسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. فهم كوكبة من
المشايخ المستنيرين بعلوم العقيدة والشريعة، متسلحين بالعلوم النيرة والاخلاق
الرفيعة والسمعة الحميدة، شكلت في مجملها بيئة مقبولة لدى السكان الحضر وسكان
البادية وقبائلها في ربوع المناطق الشرقية والوسطى من اليمن.
أصل
منطقة التواجد التاريخي لـ آل المسيبلي هي" أرض الشرورة " الواقعة في
منطقة الأحقاف شمال غربي حضرموت جنوب الربع الخالي، كونهم كعشيرة ينتمون إلى قبيلة
آلـ شملان المنحدرة من فخذ الـ خشيشة العائد إلى قسم محمد بالليث الصيعري الكندي
بحسب ما جاء في كتاب " أدوار التاريخ الحضرمي " للمؤرخ محمد بن أحمد
الشاطري, لعام 1392هـ, وكذا في كتاب " فصول في
الدول والأعلام والقبائل والأنساب " للمؤرخ الشيخ عبد الله بن احمد الناخبي,
والذي أعتمدهما الشيخ عيظة بن كرامه بن علي بن الترجيم الصيعري الكندي, مثبتا صحة
تلك التوثيقات باعتباره مرجعية جميع قبائل الصيعر. أنظر موقع https://justpaste.it/alsaiyari
كما إن تلك الإشارات جاءات متطابقة مع
ما ذكره المشايخ الاوائل لأسرة آل المسيبلي، ومنهم الشيخ عبد الله بن علي عمر
المسيبلي في مخطوطة كتاب " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " الذي أنهى
كتابته عام 1293هـ ، بعد أن استعان بالناسخ علي بن محسن الجفري، بتبيين اسمه في
نهاية صفحات الكتاب بالتالي: " هذا الكتاب باسم وعناية مالكه المحب العالم،
العامل بما علم، الطالب الراغب، السالك إلى نهج المسالك عبد الله بن علي بن عمر بن
أحمد بن علي مسيبلي الكندي .. عفا الله عنه وأعطاه ما أمله وفقهه في الدين وعلمه
التأويل ". رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
تعتبر
منطقة " زامخ في ريدة الصيعر من أرض الشرورة" المستقر الأول ل آل مسيبلي،
حيث سكنتها عشيرة آل المسيبلي، وفيها تبلورت مدارك شيوخها بأن بعثوا عدد من
أولادهم للدراسة في أربطة مدينة تريم الحضرمية. وفي مدينة تريم درس الشيخ علي بن
عمر المسيبلي في رباطها العلمي، ومنه نهل علوم العقيدة والشريعة واللغة العربية،
وهيئ نفسه لنشر الدعوة الاسلامية.
وبموجب
تفاهمات مع السلطان عبد الله بن فريد بن صلاح العولقي قدم الشيخ علي بن عمر
المسيبلي عام 1268 هجرية إلى مدينة نصاب محافظة شبوة, ووفقا لما ذكره القاضي حسين
بن أحمد بن هادي بانافع قاضي محكمة استئناف حضرموت, " فان الشيخ المسيبلي وصل
إلى مدينة نصاب هو واولاده ومعه الكثير من المال والأبل والخدم, وقد قربه السلطان
منه وأمنه من قبائله بتأدية المهام الشرعية والفقهية في السلطنة" . وفي مدينة
نصاب استقرت أسرة آل المسيبلي وانخرطت في مجتمعها وبنت لها مساكنها. وفيها وجد الشيخ
علي بن عمر المسيبلي البيئة المناسبة لتأدية مهمته الدينية بين قبائل سرو حمير
العولقية، وكان يلقي المواعظ في المساجد ويعقد جلسات الذكر والتدريس لطلبة العلم.
وتولى شؤون الفصل في الاحكام الشرعية لكل من قدم اليه، والافتاء في المسائل التي
تعرض عليه. وإمامة المصلين والقاء الخطبة، هذا ما مكنه من اخذ مكانته الدينية،
وعلو مقامه وتوطد علاقاته بالمشايخ العلماء، وتصاهر مع أسرها العريقة، منها اسرة
ال بانافع وال باهرمز وال ذيبان وآل باجمال واصبح واحدا في مرتبة مشايخ مدينة نصاب
حاضرة القبائل العولقية.
كما كان لنجلي الشيخ علي بن عمر المسيبلي وهما عبد الله وأحمد مكانة
مرموقة بين أوساط الدعاة والفقهاء، لما يتمتعان به من علوم نهلاها من والدهما ومن
مجالستهما للعلماء والمشايخ في مدينة نصاب. فكانا فقيهان متمكنان في فروع الشرع
والفقه والمعرفة، زخرت مدينة نصاب بعلومهما وهمتهما في تعليم الناس وتنويرهما
بامور الشريعة الإسلامية. وعلاوة على مكانة الشيخ عبد الله بن علي عمر المسيبلي
الدينية، فقد كانت له أيضا اهتمامات بالأعمال التجارية. وكانت له زيارات لبعض
المناطق ومنها حضرموت والبيضاء ودثينه. وكان مغرما باقتناء المخطوطات الدينية، وعرف
بملكيته لمخطوطة كتاب " تحفة المحتاج" المشار إليها أعلاه، وغيرها من
المخطوطات والكتب الدينية.
وكانت تلك الهجرة علامة فارقة في مسيرة آل المسيبلي، فمن مدينة نصاب
توسعت مهمة مشايخ آل المسيبلي في تأدية الدعوة إلى الله باتجاه المناطق الوسطى من
اليمن، فمن مشايخها من حل في قرية مذوقين المحاذية لمدينة البيضاء، ومنهم من استقر
في مدينتي مكيراس وعريب من محافظة ابين. وبتفرع مشايخ ال المسيبلي فقد تواجدوا في
مدن موديه وعدن وصنعاء، وعدد منهم في المهجر. كل ذلك تأدية لنشر الدعوة الاسلامية
وتعليم مجتمعاتهم أحكام الشريعة الإسلامية لوجه الله تعالى.
وإذا ما وثقنا مسار شيوخ الفرع الأسري للشيخ عبد الله بن عمر بن علي المسيبلي،
وهو النجل الأكبر للشيخ علي بن عمر المسيبلي، فانه شجع نجله عمر بن عبد الله على
تلبية طلب شيخ وأعيان قبيلة آل وهاش للاستقرار في قرية مذوقين المحاذية لمدينة البيضاء،
ليكون على مقربة من قبائل بنير اليمنية، التي لمس حاجتهم لمعرفة سنن الرسول صل
الله عليه وسلم وأحكام الشريعة الإسلامية.
وللمكانة الدينية والفقهية للشيخ عمر بن عبد الله المسيبلي ولأبنائه
من بعده بين قبائل بنير الحميرية في البيضاء ودبان، والقبائل العوذلية في عريب ومكيراس
فقد أصدرت سلطات الإمام يحي بن حميد الدين في ربيع الأخرة من عام 1342هجرية, إبان
اجتياح جيشها للمنطقة, أصدرت صك تعترف فيه بالمكانة الدينية والاجتماعية لشيوخ
وفقهاء آل المسيبلي, ومنحتهم حق الأمان بعدم اعتراض أشخاصهم وأفراد أسرهم اوالتعدي
على منازلهم وأملاكهم.
وفي تعريف للمؤرخ إبراهيم بن أحمـد المقحفـي لأسرة آلـ المسيبلي في
كتابه المعنون ب " معجـم البلدان والقبائل اليمنيـة " صفحـة رقم 152من
الجزء الثاني، وذلك على لسان العالم الجليل الشيخ حسين بن محمـد الهـدار، القاضي
الشرعي لمدينة البيضاء بالتالي: ((آلـ المسيبلي " بكسـر ففتح فسكون فكسـر
الباء واللام " أسـرة علميـة، لهـا دوراً كبيـر في التوجيـه والإرشاد في
منطقـة عريب، أصلهـم من مدينـة نصـاب في محافظـة شبوة. وأول من قـدم منهـم الشيـخ
عمـر بن عبد الله المسيبلي الذي سكن مذوقين، وكان على جانب عظيـم من العـلم
والمعرفـة. وقد خلّـف أولاده صـالح وعلي ومحمد وحسين وأحمد. أما ولده الشيخ صالح
فقد أنتقل إلى عريب بطلب من السلطنة العوذلية، وتولى الإمامة والخطابة، وكان
عالماً عاملاً زاهـداً، وله من الأولاد أحمـد الذي خلفه وتولى القضاء في السلطنة
العوذلية، وكذا عمـر ومحمد وحسين وعلى وعبد الله. توفي الشيخ صالح بن عمـر
المسيبلي سنـة 1358هـ، ودفن في عريب. أما الشيخ محمد عمـر فقد تولى الإمامة
والخطابة في مدينة مكيراس. وكان إلى جانب علمه الغزير ذا مشـرب صـوفي نقـي، كثيـر
المحافظـة على الذكر والدعاء. وتوفى سنة 1394هـ)).
وأستطرد الشيخ الهدار في تعريفه لـ آلـ المسيبلي قوله بان ((من أولاد
الشيخ عمـر بن عبد الله، ولده الشيخ أحمـد، العالم المتبحـر والنـاسك الوجـل، وكذا
حسيـن وعلـي وكلهـم صلُحـاء وأتقيـاء، وقـد تركوا ذريـة صالحـة. وممن عـرفنا
الشيـخ حسين بن صالح بن عمـر المسيبلي الأستاذ والأديب، الذي تلقينا منـه كثيراً
من المسائل العلمية، والشيخ العابـد عبـد الله بن محمـد بن عمـر المسيبلي، والشيـخ
الأجـل صالـح بن حسيـن المسيبلي وكيـل وزارة الأوقـاف والإرشاد، والشيخ فيصـل بن
أحمـد صالح المسيبلي والدكتور الشيخ عبـد الله بن عمـر المسيبلي، القائمان بالوعـظ
والإرشـاد في عـريب..)). هذا ما جاء في توثيق العالم الجليل الشيخ حسين بن محمد
الهدار كبير علماء مدينة البيضاء ومفتيها عن أسرة آلـ المسيبلي المنتمية إلى بيت الشيخ
عمر بن عبد الله المسيبلي.
وقد كان لأبناء الشيخ عمر بن عبد الله المسيبلي من بعده الأثر البالغ في نشر الدعوة الإسلامية, يتقدمهم الشيخ العلامة صالح بن عمر قاضي مدينة عريب العوذلية وشقيقه الشيخ المتفقه محمد بن عمر المتولي شئون القضاء في مدينة مكيراس، وكذا أشقائهما الشيخ علي بن عمر والشيخ العلامة أحمد بن عمر والشيخ حسين بن عمر الذين تولوا تأدية مهام الشئون الشرعية و إمامة الجوامع وإدارة حلقات الذكر والتدريس الفقهي لقبائل منطقة المشرق اليمني, منطلقون من مركزهم العلمي في قرية مذوقين الوهاشية, كجهة يتوافد إليها طلاب العلم وغيرهم ممن يقصدهم من رجالات قبائل المنطقة. كما إن الشيخ عبد الله بن محمد عمر المسيبلي هو الأخر كان عالما متفقها في علوم الشرع، متوليا شئون الجامع الثاني لقرية مذوقين إماما وخطيبا للمصلين، مسخرا جهده في تربية النشئ وإدارة مدرسة القرية، خلفه في ذلك الشيخ حسين بن أحمد عمر مواصلا نهج الآباء ومسيرتهم العلمية.
ومن علماء آلـ المسيبلي القاضي أحمد بن صالح عمر الذي عين بقرار من
حكومة اتحاد الجنوب العربي قاضيا شرعيا للسلطنة العوذلية، وكذا الشيخ عمر بن محمد
عمر القاضي في أحكام الشؤون الشرعية لمدينة مكيراس والشيخ عمر بن صالح قاضي جامع
قرية آل بركان العوذلية. وتجدر بنا الإشارة إلى ذكر الشيخ العلامة علي بن حسين بن
عمر الذي تولى مهمة القضاء في الجيش الاتحادي، وقاضيا وخطيبا لجامع " معسكر
ليك لين " في الشيخ عثمان من ثم ل جامع " معسكر سير سرلين " في خور
مكسر. وكذلك الشيخ العلامة صالح بن حسين المسيبلي عضو هيئة كبار علماء اليمن ووكيل
وزارة الأوقاف والذي كانت تنقل خطبه لصلاة الجمعة مباشرة عبر الإذاعة، وله برامج
دينيه في التلفزيون، خلفه من بعده نجله الشيخ أبوبكر بن صالح إمام وخطيب جامع
" المسيبلي" في حي الخساف لمدينة كريتر العدنية. كما تجدر الإشارة إلى
الدور الفقهي والدعوي الذي قام به الشيخ الدكتور عبد الله بن عمر صالح نائب رئيس
جامعة البيضاء رحمه الله ويقوم به الشيخ فيصل بن أحمد صالح إمام وخطيب جامع مدينة
عريب ومدير مدرستها الثانوية, من أعمال خيرة عمت مناطق قبائل العواذل، سالكون نهج
الآباء والأجداد في نشر الرسالة المحمدية بين أهالي المنطقة, إضافة إلى الداعية الشاب
أحمد فيصل بن أحمد في مدينة عريب والداعية الشاب عبد الرحمن بن أحمد المسيبلي في
مدينة المنصورة محافظة عدن، وغيرهما من الشباب الذين انتهجوا سبيل الدعوة المحمدية
ملتحقين بموكب أباءهم وأجدادهم الصالحين. كما تجدر الإشارة إلى أبناء الشيخ صالح
بن عمر المسيبلي، ومنهم الأديب علي صالح المسيبلي، صاحب الكتب الأدبية والروايات
المسرحية العديدة ومنها كتاب " سفران في الأدب اليمني " والأستاذ الروائي
حسين صالح المسيبلي صاحب ثلاثية "مرتفعات ردفان", والنائب البرلماني عبد
الله صالح المسيبلي صاحب مسرحية "التركة" الشهيرة. كما هناك من رجالات
آل المسيبلي الذين تبوئوا مناصب رفيعة منهم اللواء الركن عبد الله حسين المسيبلي
والسفير عبد العزيز المسيبلي والمستشار الدبلوماسي عبد الرحمن المسيبلي لدى الوفد
الدائم في الأمم المتحدة والنائب البرلماني الثاني سالم عمر محمد المسيبلي
والمستشار الإعلامي أحمد عبد الله المسيبلي، وغيرهم الكثير.
ومن فرع الشيخ أحمد بن علي عمر المسيبلي، فإن أولاده النجباء عبد
الرحمن وسالم ومحمد كانوا رجال علم وفقه في سلطنة العوالق العليا، حيث كانوا يؤدون
مهام الشريعة ويفتون في أحكامها، ويقومون بإمامة المصلين وإلقاء خطب الجمعة وعقد
حلقات الذكر. كما كانوا يدرسون النشئ ويعلموهم أحكام الدين. وكان الشيخ عبد الرحمن
مقرب من السلطنة، حيث كان مستشارا للسلطان يرافقه في خرجاته وفي استقبال زواره.
أيضا أبنائهم الأجلاء، فقد سخر
عدد منهم أنفسهم لتأدية الدعوة الإسلامية وكانوا يقومون بمهمة كتابة الوثائق
الرسمية للسلطان والشيم والعقود التجارية للجمهور، ومنهم الجد عوض بن عبد الرحمن
القاضي المتفقه والمصلح الاجتماعي، الذي أدار مدرسة هو مالكها، وابنه عبد العزيز
أستاذ فيها هو ومجموعة مدرسين منهم من ال باهرمز ومن غيرهم من المثقفين. وهي أول
مدرسة تدرس العلوم الحديثة في مدينة نصاب، من رياضيات وانجليزي وعربي وتاريخ.
وكانت مخصصة بدرجة رئيسية لأولاد السلاطين والسادة والمشايخ. تجدر الإشارة إلى مكانة
الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد المسيبلي الذي أستقر في مدينة عدن وأصبح من رجال
الأعمال المعروفين بتجارتهم البينية.
يتصف أفراد أسرة آل المسيبلي بروح المثابرة في السير على نهج أباءهم وأجدادهم،
الذين اختاروا لحياتهم ركب الصعاب لتأدية رسالتهم الدينية والدنيوية، متبؤون
المواقع الهامة في الحياة العامة.. فمنهم المشايخ العلماء في الدين ومنهم رجال
الفقه والشريعة والقانون، ومنهم الأدباء ورجال الدولة من سياسيين ودبلوماسيين
وإعلاميين، ومنهم القادة والضباط في القوات المسلحة، ومنهم رجال الأعمال والتجارة
والاقتصاد، ومنهم الطبيب والمهندس والأستاذ والموظف.. وفي غيرها من مجالات الحياة العملية..
المصدر: كتاب تاريخ أسرة آل المسيبلي.