السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
احييك عزيزي المتصفح لهذه المدونة الشخصية باسم المستشار عبد الرحمن حسين المسيبلي، متمنيا لك الاطلاع على محتواها، المتضمن تجربة شخصية قضيتها طوال حياتي المهنية والاجتماعية، احتسبها لقيت ارتياح في ضميري، راضيا عن نتائجها وعن قبولها لدى ابنائي واهلي واصدقائي وزملائي ومجتمعي.
أقدمت على كتابة اقسام هذه المدونة المتواضعة لغرض توضيح تجربتي الشخصية في الحياة، كتوثيق مسيرة الماضي وتدوين واقع الحاضر واستشفاف أفاق المستقبل، ليظل محتواها شاهدا جيدا على ما أقدمت عليه وما واجهته في مسيرة حياة، ممتلئة بالتجارب والمآثر والعبر.
ما يميز تجربتي الشخصية هو معايشتي لعدد من المنعطفات السياسية التي مر بها وطني، ابتداء من مرحلة الاستعمار البريطاني، من ثم مرحلة نيل الاستقلال وبناء الدولة في الجنوب، أيضا مرحلة الدخول في وحدة مع الشمال اليمني، ومرحلة المطالبة بعودة دولة الجنوب، وإن شاء الله أعيش مرحلة استعادة الدولة الجنوبية والشروع في بنائها.
جميع تلك المراحل تخللتها أحداث سياسية وعسكرية عكست نفسها على استقرار وأمن الوطن وعلى معيشة مواطنيه.
واقولها بأسف ان جميع تلك المراحل كانت بمثابة مراحل بحث عن شئ مفقود يتمثل في الاستقرار والأمان والمعيشة الكريمة للمواطن. بمعنى اننا كمواطنين في كل مرحلة نعيشها لم نصل بعد الى ما نصبوا اليه، بل ان ما يفرق كل مرحلة عن الاخرى هي احداث في مجملها سلبية تعيد الوطن والمواطن سنوات الى الخلف. ولهذا لم يشهد الوطن في الجنوب في العموم اي نجاح في تجربته السياسية وبالتالي اي استقرار في حياة مواطنيه المعيشية. بالمحصلة، اننا فشلنا في بناء دولة وطنية مستقرة، وبالتالي فشلنا في توفير الحياة المعيشية الكريمة للمواطنين.
فمنذ نيل الاستقلال دخلنا في صراعات على السلطة، انقسم الثوار على انفسهم تحت شعارات مبهمة وغير منطقية، على اثرها أطيح بالرئيس الأول للبلاد قحطان محمد الشعبي رحمه الله، من ثم جاء الرئيس سالم ربيع علي رحمه الله الذي عمل بكل جهده لبناء البنية التحية للبلاد، الا انه وللأسف تعرض للقتل من قبل رفاقه، من ثم جاء الرئيس عبد الفتاح إسماعيل، وعمل على ان ترتبط بلادنا بالنهج السوفييتي، الا انه واجه واقع سياسي واجتماعي مغاير عن ما كان يطمح اليه. وجاءت مرحلة الرئيس علي ناصر محمد الذي انتهج سياسة التقارب مع دول الإقليم والانفتاح الدولي، وشجع على سياسة الاقتصاد الحر. لولا انه اصطدم بمن يعارض هذا النهج من القيادات السياسية والعسكرية. هكذا انفجرت احداث الثالث عشر من يناير ١٩٨٦م الدامية، والتي راح ضحيتها الالاف من المواطنين، ومنهم استشهد شقيقي محمد حسين نائب قائد الكلية العسكرية واثنين اخرين من افراد أسرتي، وكذا شقيقين لزوجتي، رحمهم الله جميعا. هذه الاحداث المؤلمة شكلت ضربة قاسمة لظهر وطننا، وانقسمت الدولة والحزب والجيش والمجتمع الى نصفين. هذا الوضع أدى الى نزوح قيادات البلاد ومئات الألاف من المواطنين الى الشمال اليمني، وقد التحقت انا بهم شخصيا من مقر عملي كدبلوماسي حينها في الخرطوم.
استمر الحال في عدن عاصمة الجنوب تحت سيطرة الحزب الاشتراكي اليمني، لولا ان الوضع لم يكن كما كان يطمح اليه، بسبب الانهيار في كل المجالات السياسية والاقتصادية للبلاد، هذا ما دفع بالقيادة السياسية الى ان تتخذ قرار تحقيق الوحدة مع النظام في الشمال، وأقدم الرئيس علي سالم البيض مع الرئيس علي عبد الله صالح على التوقيع على الوحدة الاندماجية بين الدولتين.
الوحدة الاندماجية هي الأخرى شكلت كارثة على الجنوبيين، من كونها منذ البدء لم تكن مبنية على أسس واقعية، ولم تتوفر لها الظروف الموضوعية والذاتية لضمان نجاحها، علاوة على ان القيادة في الشمال اعتبرت الوحدة كإجراء لعودة الفرع الى الأصل، بمعنى انها ليست وحدة بين طرفين متساويين، وانما عودة الابن الضال الى بيته. هكذا كانت القيادة الشمالية تفكر وتتعامل مع الجنوبيين قيادة ومواطنين. وامام الرفض الجنوبي لهذه المعاملة، شن الرئيس الشمالي علي عبد الله صالح حرب شعواء على الأراضي الجنوبية، نتيجته ان اجتاحت قواته العسكرية مدينة عدن عاصمة الجنوب، وبقية المحافظات. وعملوا على طمس كل ما يتعلق بدولة الجنوب، وتم توزيع مؤسساته ومنشاته الحكومية والاقتصادية بين الأطراف المشاركة في الحرب كغنائم حرب. وهكذا انتهت مقومات دولة الجنوب باحتلال القوات الشمالية لأراضيها، ونهب ثرواته ومقدراته، حينها مورس بحق المواطنين الجنوبيين كل أنواع الاضطهاد والاقصاء والتمييز، وحرموا من حقوقهم ومكتسباتهم، وتم الاستيلاء على الأراضي البيضاء وتوزيعها على المتنفذين الشماليين.
مقابل ذلك فان الشعب الجنوبي قاوم ذلك الاحتلال، وعمل على تنظيم صفوفه. وتشكلت تنظيمات معارضة منها الجبهة الوطنية للمعارضة " موج" بقيادة عبد الرحمن الجفري، بعدها حركة حق تقرير المصير "حتم"، بقيادة المناضل عيدروس قاسم الزبيدي. وفي عام 2007م تم الإعلان عن قيام الحراك الجنوبي السلمي، الذي واصل نضاله حتى عام 2017م حين خرجت الجماهير في مظاهرة مليونيه وفوضت اللواء المناضل عيدروس الزبيدي بان يسعى لفك الارتباط عن الجمهورية اليمنية واستعادة دولة الجنوب الحرة والمستقلة.
مثل هذا التفويض الشعبي خطوة متقدمة وكاستحقاق لنضال شعب الجنوب للتخلص من الهيمنة الشمالية. وبهذا التفويض اعلان الرئيس عيدروس الزبيدي في 11 مايو 2017م عن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي كحامل لقضية الجنوب. ومنذ تأسيس المجلس الانتقالي تحققت إنجازات لشعب الجنوب ما كان لها ان تتحقق على طريق استعادة دولته الحرة والمستقلة.
مما زاد إصرار شعب الجنوب في حقه في فك الارتباط واستعادة دولته الحرة والمستقلة هو ذلك الغزو الشمالي الذي قامت به المليشيات الحوثية والجيش اليمني والحرس الجمهوري لنظام علي عبد الله صالح، لأراضي الجنوب في مارس 2015م. حيث أقدمت تلك القوات الغازية على تدمير الأحياء السكنية وقتل الالاف من المواطنين المدنيين. حينها هب شباب الجنوب للتصدي لذلك الغزو الهمجي الحاقد، وتمت مقاومته والحاق الهزيمة النكرى في تلك المليشيات الحوثية وجيش علي عبد الله صالح ودحره من أراضي الجنوب خلال ثلاثة اشهر فقط.
ها نحن اليوم نعيش مرحلة مجلس القيادة الرئاسي لما تعتبر نفسها الشرعية اليمنية، على أمل ان تلعب دول التحالف العربي والمبعوث الدولي والامريكي دورا لوقف الحرب والدخول في مفاوضات الحل النهائي والشامل، وإحلال السلام والاستقرار في اليمن، هذا ما سيؤدي أيضا الى التفاوض بشان استعادة دولة الجنوب الى وضعها المستقل، والتوافق على بناء الثقة وخلق علاقات حسن الجوار بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.